فصل: تفسير الآيات (27- 28):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآيات (27- 28):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [27- 28].
{فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ} أي: المكث الأبدي. وفي النظم الكريم من البديع، التجريد، وهو أن ينتزع من أمر ذي صفة، آخر مثله، مبالغة فيها؛ لأنها نفسها دار الخلد. ويجعله للظرفية الحقيقية، تكلف لا داعي له. مع أن المذكور أبلغ. قال الشهاب: {جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} أي: ينكرون أو يلغون. وذكر الجحود الذي هو سبب اللغو.

.تفسير الآية رقم (29):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} [29].
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا} أي: ندوسهما انتقاماً منهما: {لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} قال القاشاني: أي: حنق المحجوبون واغتاظوا على من أضلهم من الفريقين، عند وقوع العذاب. وتمنوا أن يكونوا في أشد من عذابهم وأسفل من دركاتهم، لما لقوا من الهوان، وألم النيران، وعذاب الحرمان، والخسران، بسببهم، وأرادوا أن يشفوا صدورهم برؤيتهم في أسوأ أحوالهم، وأنزل مراتبهم. كما ترى من وقع في البلية، بسبب رفيق أشار إليه بما أوقعه فيها، يتحرد عليه ويتغيظ، ويكاد أن يقع فيه، مع غيبته ويتحرق. انتهى.

.تفسير الآية رقم (30):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [30].
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ} أي: وحدوه بنفي غيره، وعرفوه بالإيقان حق معرفته: {ثُمَّ اسْتَقَامُوا} أي: في أخلاقهم، وعقائدهم، وأعمالهم. وذلك بالسلوك في طريقه تعالى، والثبات على صراطه، مخلصين لأعمالهم، عاملين لوجهه، غير ملتفتين بها إلى غيره: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} أي: في الدنيا، بإلهامهم، أو عند الموت، أو حين البعث.
{أَلَّا تَخَافُوا} أي: ما تقدمون عليه بعد مماتكم: {وَلَا تَحْزَنُوا} أي: على ما خلفتم من دنياكم، من أهل وولد. فإنا نخلفكم في ذلك كله، أو من الفزع الأكبر، وهوله، فإنكم آمنون لآية: {لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ} [الأنبياء: 103]، والتنزيل يفسر بعضه بعضاً، أو الآيتان في مقامين، وبشارتين، وفضله تعالى أوسع، وجوده أعم وأشمل.
قال القاشاني: وإنما تنزلت الملائكة عليهم للمناسبة الحقيقية بينهم في التوحيد الحقيقي، والإيمان اليقيني، والعمل الثابت على منهاج الحق والاستقامة في الطريقة إليه. غير ناكثين في عزيمة، ولا منحرفين عن وجهة، ولا زائغين في عمل. كما ناسبت نفوس المحجوبين من أهل الرذائل الشياطين، بالجواهر المظلمة، والأعمال الخبيثة. فتنزلت عليهم. انتهى. وقوله تعالى: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} أي: في الدنيا، حال الإيمان بالغيب.

.تفسير الآيات (31- 32):

القول في تأويل قوله تعالى: {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} [31- 32].
{نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} أي: أحباؤكم في الدارين، للتناسب بيننا وبينكم. كما أن الشياطين أولياء الكافرين، لما بينهم من الجنسية، والمشاركة في الظلمة والكدورة. قال ابن كثير: أي: تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار: نحن كنا قرناءكم في الحياة الدنيا، نسددكم، ونوفقكم، ونحفظكم بأمر الله. وكذلك نكون معكم في الآخرة، نؤنس منكم الوحشة في القبور، وعند النفخة في الصور، ونؤمنكم يوم البعث والنشور، ونجاوزكم الصراط المستقيم، ونوصلكم إلى جنات النعيم.
وقال الرازي: معنى كونهم أولياء للمؤمنين، أن للملائكة تأثيرات في الأرواح البشرية، بالإلهامات، والمكاشفات اليقينية، كما أن للشياطين تأثيرات في الأرواح، بإلقاء الوساوس فيها، وتخييل الأباطيل إليها، وبالجملة، فكون الملائكة أولياء للأرواح الطيبة الطاهرة، حاصل من جهات كثيرة معلومة، لأرباب المكاشفات والمشاهدات. فهم يقولون: كما أن تلك الولاية كانت حاصلة في الدنيا، فهي تكون باقية في الآخرة. فإن تلك العلائق ذاتية لازمة غير قابلة للزوال. بل كأنها تصير بعد الموت أقوى وأبقى. وذلك لأن جوهر النفس من جنس الملائكة، وهي كالشعلة بالنسبة إلى الشمس، والقطرة بالنسبة إلى البحر، والتعلقات الجسمانية هي التي تحول بينها وبين الملائكة. كما قال صلى الله عليه وسلم: «لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم، لنظروا إلى ملكوت السماوات. فإذا زالت العلائق الجسمانية، والتدبيرات البدنية، فقد زال الغطاء والوطاء، فيتصل الأثر بالمؤثر، والقطرة بالبحر، والشعلة بالشمس». انتهى.
وهو مشرب صوفيّ ومنزع فلسفيّ، فيه شية من الرقة: {وَلَكُمْ فِيهَا} أي: في الآخرة: {مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ} أي: من الروح، والريحان، والنعيم المقيم: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} أي: تتمنون: {نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} أي: إكراماً معداً لكم، من غفور لذنوبكم، ورحيم بتفضله وتطوله.

.تفسير الآية رقم (33):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [33].
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} أي: لا أحد أحسن مقالاً ممن دعا الناس إلى عبادته تعالى، وكان من الصالحين المؤتمرين، والمسلمين وجوههم إليه تعالى في التوحيد.
لطائف:
الأولى- قال القاشاني: وإنما قدم الدعوة إلى الحق والتكميل؛ لكونه أشرف المراتب، ولاستلزامه الكمال العلمي والعملي، وإلا لما صحت الدعوة. انتهى.
الثانية- في الآية إشارة إلى ترغيبه صلى الله عليه وسلم في الإعراض عن المشركين، وعما كانوا يقولونه من اللغو في التنزيل، مما قصه تعالى عنهم فيما تقدم. وإرشاده إلى المواظبة على التبليغ، والدعوة، ببيان أن ذلك أحسن الطاعات ورأس العبادات، فهذا هو سر انتظام هذه الآية في إثر ما سبق. وثمة وجه آخر. وهو أن مراتب السعادات اثنان: كامل وأكمل. أما الكامل فهو أن يكتسب من الصفات الفاضلة ما لأجلها يصير كاملاً في ذاته. فإذا فرغ من هذه الدرجة، اشتغل بعدها بتكميل الناقصين.
فقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت: 30] و[الأحقاف: 13]، إشارة إلى المرتبة الأولى. وهي اكتساب الأحوال التي تفيد كمال النفس في جوهرها. فإذا حصل الفراغ من هذه المرتبة، وجب الانتقال إلى المرتبة الثانية، وهي الانتقال بتكميل الناقصين، وذلك إنما يكون بدعوة الخلق إلى الدين الحق، وهو المراد من قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً} الآية.
واعلم أن من آتاه الله قريحة قوية، ونصيباً وافياً من العلوم الإلهية، عرف أنه لا ترتيب أحسن ولا أكمل من ترتيب آيات القرآن، أفاده الرازي.
الثالثة- يدخل في الآية كل من دعا إلى الله بطريق من الطرق المشروعة، وسبيل من السبل المأثورة؛ لأن الدعوة الصحيحة هي الدعوة النبوية، ثم ما انتهج منهجها في الصدع بالحق، وإيثاره على الخلق.
الرابعة- في الآية دليل على وجوب الدعوة إلى الله تعالى- على ما قرره الرازي- لأن الدعوة إلى الله أحسن الأعمال، وكل ما كان أحسن الأعمال، فهو واجب.
الخامسة- احتج من جوز قول: أنا مسلم. بدون تعليق على المشيئة بهذه الآية. وقال: إطلاقها يدل على أن ذلك هو الأولى، والمسألة معروفة بسطها الغزالي في الأحياء.
وللإمام ابن حزم في الفصل تحقيق لطيف لا بأس بإيراده. قال رحمه الله: اختلف الناس في قول المسلم: أنا مؤمن. فروينا عن ابن مسعود وجماعة من أصحابه الأفاضل، ومن بعده من الفقهاء، أنه كره ذلك. وكان يقول: أنا مؤمن إن شاء الله. وقال بعضهم: آمنت بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله. وكانوا يقولون: من قال أنا مؤمن، فليقل إنه من أهل الجنة.
ثم قال ابن حزم: والقول عندنا في هذه المسألة، أن هذه صفة يعلمها المرء من نفسه. فإن كان يدري أنه مصدق بالله عز وجل، وبمحمد صلى الله عليه وسلم وبكل ما أتى به عليه السلام، وأنه يقر بلسانه بكل ذلك، فواجب عليه أن يعترف بذلك. كما أمر تعالى، إذا قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] ولا نعمة أوكد، ولا أفضل، ولا أولى بالشكر، من نعمة الإسلام. فواجب عليه أن يقول: أنا مسلم قطعاً عند الله تعالى، وفي وقتي هذا. ولا فرق بين قوله: أنا مؤمن مسلم. وبين قوله: أنا أسود وأنا أبيض.
وهكذا سائر صفاته التي لا يشك فيها. وليس هذا من باب الامتداح، والتعجب في شيء؛ لأنه فرض عليه أن يحص دمه بشهادة التوحيد. قال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136]، وقول ابن مسعود عندنا صحيح؛ لأن الإسلام والإيمان اسمان منقولان عن موضوعهما في اللغة، إلى جميع البر والطاعات، فإنما منع ابن مسعود من القول بأنه مسلم مؤمن، على معنى أنه مستوف لجميع الطاعات. وهذا صحيح. ومن ادعى لنفسه هذا فقد كذب بلا شك، وما منع رضي الله عنه من أن يقول المرء: إني مؤمن. بمعنى مصدق. كيف؟ وهو يقول: قل آمنت بالله ورسله. أي: صدقت. وأما من قال فقل إنك في الجنة، فالجواب أننا نقول: إن متنا على ما نحن عليه الآن، فلابد لنا من الجنة بلا شك. وبرهان ذلك أنه قد صح من نصوص القرآن، والسنة، والإجماع، أن من آمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وبكل ما جاء به، ولم يأت بما هو كفر، فإنه في الجنة، إلا أننا لا ندري ما يفعل بنا في الدنيا، ولا نأمن من مكر الله تعالى، ولا إضلاله، ولا كيد الشيطان، ولا ندري ماذا نكسب غداً، ونعوذ بالله من الخذلان. انتهى.

.تفسير الآية رقم (34):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [34].
{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ} أي: لكون الأولى من مقام العقل تجرّ صاحبها إلى الجنة ومصاحبة الملائكة. والثانية من مقام النفس تجر صاحبها إلى النار ومقارنة الشياطين: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي: ادفع السيئة حيث اعترضتك، بالتي هي أحسن منها، وهي الحسنة. على أن المراد بالأحسن الزائد مطلقاً، أو بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات. وإنما عدل من مقتضى الظاهر وهو: ادفع بالحسنة، إلى الأبلغ- لأن من دفع بالأحسن هان عليه الدفع بما دونه. وهذا الكلام أبلغ في الحمل والحث على ما ذكر؛ لأنه يومئ إلى أنه مهم ينبغي الاعتناء به والسؤال عنه.
قال القاشاني: أي: إذا أمكنك دفع السيئة من عدوك بالحسنة، التي هي أحسن فلا تدفعها بالحسنة التي دونها، فكيف بالسيئة؟ فإن السيئة لا تندفع بالسيئة، بل تزيد وتعلو ارتفاع النار بالحطب. فإن قابلتها بمثلها كنت منحطاً إلى مقام النفس، متبعاً للشيطان، سالكاً طريق النار، ملقياً لصاحبك في الأوزار، وجاعلاً له ولنفسك من جملة الأشرار، متسبباً لازدياد الشر، معرضاً عن الخير. وإن دفعتها بالحسنة، سكّنت شرارته، وأزلت عداوته، وتثبت في مقام القلب على الخير، وهديت إلى الجنة، وطردت الشيطان، وأرضيت الرحمن، وانخرطت في سلك الملكوت، ومحوت ذنب صاحبك بالندامة، ثم أشار تعالى إلى علة الأمر، وثمرته بقوله: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ} أي: صديق أو قريب: {حَمِيمٌ} أي: شديد الولاء. وأصل الحميم الماء الشديد حرارته. كنى به عن الولي المخلص في وده، لما يجد في نفسه من حرارة الحب، والشوق، والاهتمام نحو مواليه.

.تفسير الآية رقم (35):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [35].
{وَمَا يُلَقَّاهَا} أي: هذه الخصلة الشريفة، والفضيلة العظيمة، وهي مقابلة الإساءة بالإحسان: {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} أي: على تجرع الشدائد، أو على طاعته تعالى، وأمره، تخلقاً بالعلم والعفو: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} أي: من الخير وكمال النفس، ومن الله تعالى بالتخلق بأخلاقه، ومن الثواب وكمال العقل.

.تفسير الآية رقم (36):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [36].
{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} أي: وإما يلقين الشيطان في نفسك وسوسة من حديث النفس، إرادة حملك على مجازاة المسيء بالإساءة، والانتقام منه، فاستجر بالله واعتصم من خطواته، بالرجوع إلى جنابه تعالى، واللجأ إلى حضرته، من شره ووسوسته ونزغه. قال ابن كثير: قدمنا أن هذا المقام لا نظير له في القرآن إلا في سورة الأعراف، وهو قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 199- 200]، وفي سورة المؤمنون، وهو قوله سبحانه: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينَ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 96- 98].